يشتكي متعاملون في سوق العقارات المصرية من عدد من المطورين بسبب تأخر في التسلميات، أو عدم مطابقة مستوى التنفيذ والتشطيب للعقود أو فرض رسوم أو مبالغ إضافية على قيمة الوحدات بالمخالفة للعقود.
ويشتكي عملاء في مشروعات مختلفة لأكثر من مطور من وجود مخالفات وعدم التزام الشركات بالعقود المبرمة معهم، فضلا عن عدم الالتزام بمواعيد التسليم أو مشكلات تتعلق بتأخر الأقساط المستحقة على العميل.
وفي المقابل حينما يتعثر المشتري أو يتأخر في سداد بعض الأقساط فإن شركة التطوير تطالبه بفسخ العقد.
وقالت نورهان صديق، إحدى المتضررين من شركة تطوير عقاري تعمل شرق العاصمة المصرية القاهرة، في تصريحات صحفية، إنها تعاقدت على وحدتها بالمشروع منذ أكثر من عامين، وعندما حان وقت التسليم، أرسلت الشركة إليها خطابًا بالبريد تطالبها بدفع 1250 جنيهًا لكل متر مقابل دخول المرافق إلى المشروع، وهو أمر لم ينص عليه العقد، حيث كانت قد تعاقدت على استلام وحدة متكاملة المرافق مقابل قيمة محددة في العقد.
بينما قالت سارة خطاب، إحدى المتضررات من نفس الشركة، "فؤجئت بأن الشركة عرضت وحدتي للبيع، والسبب أنني طالبت الشركة بالتراجع عن طلبها بدفع المرافق وتحميلها لي وللملاك بغير وجه حق وبالمخالفة للعقود المبرمة بين الطرفين".
وأوضحت أن رئيس الشركة قال للمشترين المعترضين "أنا هبيع الوحدات واتفضلوا خدوا فلوسكم".
وأضاف أن أي متضرر سيحصل علي حكم محكمة ضد الشركة، فلن ينفذ الأحكام وسيقوم بإعادة بيع الوحدات من طرف الشركة.
ومع تزايد حدة الأزمة، قال خبراء عقاريون وقانونيون إن صياغة عقود متوازنة بين العملاء والمطورين أصبحت ضرورة لضمان حقوق الطرفين، لأن وجود بنود موحدة ومتوازنة في العقود يلعب دوراً أساسياً في تنظيم العلاقة بين المطور والعميل، ويحد من النزاعات التي قد تنشأ بسبب التغيرات الاقتصادية المفاجئة.
والعقد المتوازن هو اتفاقية قانونية تضمن حقوقا والتزامات كلا الطرفين بشكل عادل ومتساوٍ، ويساعد العقد المتوازن على ضمان توازن الحقوق والواجبات بين الأطراف المتعاقدة، مما يعزز الشعور بالعدالة ويقلل من الاستغلال أو التلاعب، وفقا لمحمد خضير، الشريك المؤسس بمكتب "خضير وشركاه للاستشارات القانونية" ورئيس هيئة الاستثمار المصرية الأسبق في تصريح صفحي.
أكد خضير أن فرض صيغة إلزامية أو موحدة للعقود يتعارض مع مبدأ أساسي في القانون المدني، وهو "العقد شريعة المتعاقدين".
وأوضح أنه إذا تم وضع قواعد استرشادية دون إجبار أي طرف على اتباع صيغة معينة، سيكون مناسبا بشكل أكبر دون إلزام المستثمر بصياغة موحدة، مما قد يخل بحرية المستثمر في اختيار النموذج الأمثل لاستثماره، وهو ما يعد نقطة هامة في جذب الاستثمارات.
وأكد نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع التنمية وتطوير المدن، أمين غنيم، أن الهيئة لا تتدخل في العقود العقارية بين المطورين والعملاء وفقًا للقانون رقم 59 لسنة 1979 بشأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة، حيث إن الهيئة ليست طرفًا في هذه العقود التي تخضع للقانون المدني ومبدأ "العقد شريعة المتعاقدين".
وأضاف أن هناك مشروع قانون يجري إعداده في البرلمان المصري لتنظيم العلاقة بين المطورين والعملاء.
أوضحت عبير عصام، عضو غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية ورئيس المجلس العربي لسيدات الأعمال، أن الغرفة تعمل حاليًا على صياغة بند موحد أو متشابه بالعقود العقارية، يضمن حقوق المطورين والعملاء على حد سواء.
وأضافت عصام أن هذا البند سيُصاغ بشكل قانوني من خلال مستشارين عقاريين بالتنسيق مع تشريعات مجلس النواب، بحيث ينظم حالات تأخر العملاء في السداد أو تأخر المطورين في التسليم، بالإضافة إلى تنظيم بنود زيادات الأسعار. وأضافت أن المقترح المتكامل سيتم تقديمه إلى وزير الإسكان خلال الاجتماع الثاني للمطورين الشهر المقبل.
وصرح أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، أن هذه البنود الموحدة يمكن أن تنظّم بشكل أفضل العلاقة بين العميل والمطور، خاصةً فيما يتعلق بالأمور المالية وتأخيرات التسليم.
وأضاف أن هذا المقترح لا يزال قيد النقاش، خصوصًا في ظل التغيرات الاقتصادية الأخيرة والارتفاعات المتتالية في سعر الدولار، التي أثرت بشكل كبير على أسعار مواد البناء.
أوضح سعد الدين أن المطورين العقاريين في مصر يعتمدون بشكل أساسي على التدفقات النقدية من العملاء، عبر أقساط ودفعات، لتنفيذ مشروعاتهم.
وأضاف أن كل مرحلة من مراحل التنفيذ تحتاج إلى سيولة مالية من التزامات العملاء، وعند حدوث تأخير أو تعثر في الدفع، يؤثر ذلك بشكل مباشر على مراحل التنفيذ، مما يؤدي إلى تأخير مستحقات وتسويات المقاولين ويعوق إتمام المشاريع في المواعيد المحددة.
وبحسب عصام، أن تطبيق العقد الموحد على جميع الشركات العقارية يواجه تحديات كبيرة، ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن أيضًا من ناحية التطبيق العملي، وذلك بسبب اختلاف الملاءات المالية للمطورين وتباين أحجام الشركات، لافتاً إلى أن معظم المطورين يعتمدون على البيع على الخارطة، إضافةً إلى تأخر العديد منهم في تسليم مشروعاتهم في المواعيد المحددة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "جيتس" للتطوير العقاري، حسن نصر، إن تطبيق العقد المتوازن قد لا يكون مناسبًا لمبدأ الاستثمار، خاصة فيما يتعلق بالعملاء وصغار المستثمرين في العقارات.
وأضاف، أنه من الصعب إقناع العميل بتحمل خسائر إضافية مع الشركة في حال ارتفاع الأسعار، حيث سيتوجب عليه تحمل أعباء مالية إضافية وهو ما يتنافى مع مبدأ الربحية من الاستثمار.
وأشار إلى أن صغار المستثمرين قد يتجهون إلى خيارات استثمارية أو ادخارية أخرى، مثل الذهب أو الدولار، التي تحقق لهم مكاسب دون الحاجة للمشاركة في الخسائر.
وأكد نصر أن تعميم تطبيق العقد المتوازن في السوق المصرية قد يؤدي إلى تراجع كبير في حجم الاستثمار العقاري، حيث من المرجح أن يقل إقبال المستثمرين إذا طُبق هذا النوع من العقود، موضحاً أن 60% من المشترين للعقارات يتطلعون للاستثمار فيها، بينما يهدف 40% فقط إلى السكن. لذا، فإن تطبيق العقد المتوازن قد يسبب فقدان نسبة كبيرة من السوق التي تعتمد على الاستثمار.
قال إبراهيم السجيني، رئيس جهاز حماية المستهلك، إن الجهاز لا يملك دورًا قويًا في حماية العملاء في القطاع العقاري، حيث يُعتبر العقار ليس منتجًا تقليديًا، بل يخضع لرقابة هيئة المجتمعات العمرانية، موضحا أن الشكاوى التي يتلقاها الجهاز تُحول مباشرة إلى الهيئة، حيث إن قانون حماية المستهلك المصري رقم 181 لسنة 2018 لا يغطي المنتجات العقارية.
واقترح محمد خضير إنشاء جهاز لحماية المستهلك العقاري، موضحاً أن أهم القضايا والنزاعات العقارية التي يرفعها العملاء أو المستثمرون ضد المطورين تشمل زيادة مصاريف الصيانة عن المتفق عليه، والتأخير في تسليم الوحدات السكنية أو التجارية في المواعيد المحددة، والتغير في المواصفات الخاصة بالوحدة عند تسليمها، مما يؤدي إلى عدم تطابق المنتج النهائي مع المواصفات أو التصميمات المتفق عليها في العقد.
كما تشمل النزاعات سوء جودة المنتج النهائي، بما في ذلك عيوب في البناء أو التشطيبات، إضافة إلى الخلافات المالية مثل عدم الالتزام بالأسعار أو الشروط المالية الأخرى المحددة في العقد.
اقترح خضير أنه من الممكن وضع نموذج استرشادي موحد يتضمن بنودًا إيجابية تضمن حقوق جميع الأطراف دون أن يكون ذلك لصالح طرف على حساب الآخر، مع الحفاظ على حرية المستثمر في اختيار الصيغة الأنسب لاستثماره في السوق.
وأوضح أنه لضمان الحد من النزاعات، يمكن أن تتضمن القواعد الاسترشادية بنودًا واضحة وصياغة دقيقة للعقود، مع توضيح الشروط والبنود الإلزامية في حالة حدوث خلاف، بالإضافة إلى أهمية توفير مواد توضيحية، مثل فيديوهات تعريفية، تساعد العملاء على فهم أهم شروط العقد، لتجنب الوقوع في مشكلات قانونية نتيجة عدم الإلمام بالتفاصيل.
اقترح خضير أن تتولى الجهات العقارية الحكومية، مثل هيئة المجتمعات العمرانية أو أي جهة حكومية مسؤولة عن التطوير العقاري، تشكيل وحدة قانونية لحماية صغار المستثمرين. كما اقترح إمكانية تعاقد هذه الجهات مع مكاتب محاماة للدفاع عن حقوق هؤلاء المستثمرين، مما يعد دعماً غير مباشر دون المساس بحرية المستثمرين أو الشركات.
وأضاف أنه يمكن تشكيل لجنة فض المنازعات العقارية لصالح صغار المستثمرين، على أن تكون قراراتها ملزمة إلى حد ما وبأتعاب معقولة، وفي حال عدم رضا الأطراف عن القرار، يمكنهم اللجوء إلى القضاء.
وأكد خضير أن نسبة العملاء الذين يلجأون إلى المحاكم أو المكاتب القانونية للنزاع حول العقود العقارية تظل ضئيلة، نظرًا لقدرة الشركات على التعامل مع مثل هذه الحالات بفضل وحداتها القانونية القوية والاستشاريين القانونيين المتخصصين على عكس العميل الذي يمل الخوض في الإجراءات وطول مدتها.
وقال إنه في حال تأخر تسليم الوحدة لمدة أطول بكثير من المتفق عليها، يجب على العميل اللجوء إلى هيئة المجتمعات العمرانية، بصفتها الجهة المسؤولة عن بيع الأرض للمطور، لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المطور وضمان حقوق العميل.